الافتتاحية
بلد المبادرات الطيبة
لا توجد دولة في العالم تنص قوانينها على مكافأة المعتدي أو المخطئ بحق القانون·· وهذا طبيعي جداً· الطبيعي جداً هو أن يعاقب المسيء، إلا إذا اتسع صدر المساء إليه فقرر أن يصفح ويساهم.
وهذا ما فعلته دولة الإمارات مع ما يقارب 350 ألف شخص أقاموا فيها بصفة غير مشروعة وخالفوا قوانينها وجعلوا أمنها واستقرارها عرضة لأخطار لا تقبل أي دولة أن تتعرض لها· فقد قررت الدولة أن تعطي أولئك المخالفين فرصة لتعديل أوضاعهم والبقاء في البلاد بصورة قانونية، أو الرحيل بلا عقوبة، إن لم يكونوا مطلوبين في جرائم تدينهم. وكانت تلك خطوة جريئة ورائدة ومفعمة بالشعور الإنساني النبيل· فليس في العالم كثير ممن يمكن أن يقولوا لمن يقتحم دارهم: )أهلاً وسهلاً إذا شئت البقاء بسلام، ومع السلامة إن لم تستطع(.
وقد أكد الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية، أن هذه الخطوةالتي تهدف إلى تحجيم الخطر الأمني للمقيمين غير الشرعيين، هي مبادرة تسامح تجاههم لتصحيح أوضاع مرفوضة، ولمنح من يبقى في البلاد فرصة العمل الشريف ونيل حقوقه القانونية بعيداً عن الاستغلال· ونصح سموه المخالفين أن يستفيدوا من هذه الفرصة وأن لا يطمعوا في مبادرات مماثلة في المستقبل.
ورافقت هذه المبادرة خطوات أخرى اتخذت على صعيد ترتيب أوضاع العاملين في ما يتعلق بظروف العمل والأجور والحقوق الأخرى، بما يتفق مع أنظمة الدولة التي لا يضيرها أن يسيء بعض العاملين السلوك، فيقومون ببعض الشغب المؤسف· فلا تزال الإمارات تتصدر الدول المستقطبة للعمالة الأجنبية في المنطقة كلها، فتؤمن هذه العمالة مصدراً للرزق، مقابل أن تسهم في نهضة بلادنا التي لا تنكر الجميل وتعطي كل ذي حق حقه. وكانت الدولة سبّاقة في مجالات حفظ حقوق الإنسان ومكافحة الاتجار بالبشر وغير ذلك من الإجراءات.
غير أن هذا الكرم الطيب يستدعي وقفات للمراجعة، ومنها النظر في أسلوب الاعتماد على العمالة الكثيفة في الكثير من القطاعات، في الوقت الذي تستخدم في الدولة أحدث المعدات والإمكانات التقنية وأفضل الأساليب الإدارية· فعندما نتحدث عن العمالة المنزلية من الخدم وغيرهم، والتي تمثل حوالي 6% من سكان الدولة، فإننا لا نعني التكاليف المالية فحسب، إذ أن ذلك مؤشر على طبيعة السلوك، التي تجعل الكثير من الأفراد غير مشاركين في إدارة وتنفيذ متطلبات الحياة المنزلية.
كما أن كثافة العمالة الوافدة تبقى مصدراً للقلاقل والإزعاج والتدخلات من جانب الآخرين، بغض النظر عن كفاءة وسلامة التعامل مع هذه العمالة· ويكفي كمثال على ذلك، منظمة “هيومان رايتس ووتش”، التي دأبت منذ فترة على إثارة موضوعات ونشر أخبار يجافي بعضها الصواب، في ما يتعلق بالعمالة الأجنبية في الدولة· وقد يرى البعض في ذلك التركيز شبهة أو إساءة للفهم أو تضليلاً تتعرض له هذه المنظمة الدولية، وربما يأخذه البعض بحسن نية وبنظرة متفائلة، فيقول إنه دليل على ازدهار هذه الدولة وثراء نهضتها، حيث لا يوجد من يهزّ أغصان شجرة بلا ثمار.
إن المطلوب أن تحرص الدولة على تطبيق قوانينها والالتزام بشروط الأمان والسلام الاجتماعي فيها، وأن تستمر في سلوكها الراهن الذي يحقق الانسجام المدهش بين
