الأخيرة
ويبقى الوطن همنّا الأكبر
 

الخائفون

 
 

تشغل الحاجة إلى الأمان والشعور بالطمأنينة، مساحة واسعة في الذهن البشري· والأرجح أنها تشغل مساحة مماثلة في تفكير بقية الكائنات الحية، وإلا لما رأينا الطير يفرّ من أي عارض يواجهه، ولما دبّج الشعراء القصائد في وصف جمال الغزلان والأريام الهاربة. فهي تهرب لأنها خائفة، وليس في حسبانها أن تتمايل وتتغندر أمام الناس.

 والإحساس بالخوف هو المنبع الذي يفرّخ أغلب الأمراض النفسية والسلوكيات العدوانية لدى البشر وغيرهم من الكائنات· فقد يخاف هذا على صحته، ويخاف ذاك على وظيفته، وتلك على أولادها وزوجها، وأولئك على تجاراتهم أو نتائج امتحاناتهم··· حتى الرياضيون يخشون الهزيمة فيبذلون الجهد وربما يخادعون، أو يتعاطون المنشطات، لتفادي النتيجة التي قد تخرجهم من الملعب منكسي الرؤوس.
 
ونجد في القرآن الكريم والأدبيات الدينية المختلفة، أحاديث كثيرة عن الخوف والأمان، والمؤمنين الذين "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" والذين يعاقبون بأن يذوقوا "لباس الجوع والخوف"، والمجاهدين الذين أسبغ الله عليهم نعمة النوم "أمنة منه" بينما هم على وشك الدخول في معركة طاحنة مع الأعداء·
 
وتلعب المشاعر الإيمانية القوية دوراً مهما في تبديد مساحة غير ضئيلة من الإحساس بالخوف لدى الناس، إذ أن الذين يتوكلون على الله يعلمون أن لا شيء يضرهم إلا بإذنه. غير أن الإيمان درجات، وتعريف الخوف مختلف بين إنسان وآخر· فهذا يعتبره نوعاً من "الاحتياط" أو "الحذر"، وذلك يعتقد أن الذي لا يخاف لا يُخيف، وأن "الدنيا لم يعد فيها أمان"لأن" أولاد الحرام لم يتركوا لأولاد الحلال شيئاً".
 
وتزداد المخاوف لدى الأفراد كلما ضعفت ثقتهم بقدرة المؤسسة العامة، كالدولة والأنظمة المحلية والمؤسسات الاجتماعية، على توفير البرامج الكفيلة بأن تبعد عنهم شبح الخوف على اللقمة والعيش الكريم لهم، أو عدم رغبتها أساساً، في توفير مثل هذه البرامج.
 
وتصبح بذلك، مفاجآت الغد والمرض والشيخوخة، وانفراط عقد العائلة الممتدة والأسرة المتضامنة، أشباحاً تتراقص أمام الفرد كلما خلا إلى نفسه، وفكر بما يمكن أن ينتظره مستقبلاً.
 
وينعكس هذا الخوف على سلوك الفرد ذاته، حيث ينكمش على نفسه ويمارس الدفاع السلبي، أو يتحول إلى الهجوم استناداً إلى مفهوم "اللهم إني أسألك نفسي"، "وقاعدة" "ما حك جلدك مثل ظفرك"، أو "خير وسيلة للدفاع الهجوم"، فيحاول أن يحصل بشتى الطرق على ما يحتاج، وما لا يحتاج أيضاً، بدافع يعتبره مبرراً وهو "تأمين مستقبلي" وهو يغفل أن لو فعل الآخرون مثله لتحول كل مجتمع إلى ساحة للوغى، لكن ليس ضد أعداء من الخارج، لأن أفراد المجتمع سيكونون أعداء كل للآخر.
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد