ضفاف

 علي عبيد
 همسة فرح
 
 من أين يأتي هذا الشعور؟ وكيف يتكون داخلنا؟ ثم كيف يتغلغل في النفس، فيشيع فيها كل هذه البهجة؟ ومن هم أولئك الذين وهبهم الله هذه المقدرة على صنعه؟ وكيف ينتقل إلى كل من حولنا وما حولنا؟ ومتى يبدأ وأين ينتهي؟ وكم يبقى منه في الذاكرة وكم يتلاشى؟ 
 تحضر الأسئلة وتتشعب، كلما غمرت نفسه لحظة فرح فأشاعت فيها بهجة لا يعرف كيف يصفها، وهو الذي طالما ادّعى أنه بارع في وصف المشاعر الخفية وملامستها· لذلك، يحاول أن يتتبع خيط الفرح في حياته ليمسك بأوله، علَّه يستطيع أن يقتفيَ آثار تلك اللحظات السعيدة التي عاشها، ليعرف سرها، ويعيد بناء تكوينه النفسي في مرحلة هو أحوج ما يكون فيها إلى الفرح والسكينة، بعد هذه المسافة التي قطعها من دروب الحياة ويراها قصيرة، بينما هي في عرف الزمن والناس، طويلة ومن الصعب تعويضها، بكل الأوجاع والمسرات التي تركت بصماتها عليها· 
 متى كانت لحظة الفرح الأولى في حياته؟ وفي أي سن شعر بها؟ هذا هو السؤال الذي يحيره ويبحث عن إجابة له· 
 هل هي لحظة المجيء إلى الحياة نفسها، رغم ما يصاحبها عادة من بكاء؟ 
 ربما، ولكن من يستطيع الادعاء أنه قد شعر بتلك اللحظة فعلاً وعاشها بكامل وعيه؟· 
 هل هي لحظة الشعور بالحياة نفسها؟ 
 ربما، ولكن من منا يستطيع أن يحدد بالضبط، تلك اللحظة التي شعر فيها بالحياة للمرة الأولى في حياته؟
 هل هي لحظة الشعور بالألم الأول في حياتنا، تلك التي تجعلنا نشعر بالفرق بين الحزن والفرح، ونصنف كل واحد منهما في خانة المشاعر البيضاء والسوداء في أول جدولة للأحداث في حياة كل واحد منا؟
 
ربما تكون هذه إجابة منطقية وإن كانت تبقى في خانة التعميم الذي لا يتفق مع مناهج البحث العلمي· لكن، متى كانت المشاعر بكل أطيافها، خاضعة للبحث العلمي ومناهجه وأصوله ونظرياته الحسابية الدقيقة؟  
 
لهذا ينأى بنفسه عن الذهاب بعيداً في كل هذه الاتجاهات، نازعاً عن الفرح الإطار المادي الذي تكاد تقوده إليه اتجاهات من هذا النوع، لأنه يريد أن يضعه في تلك المشكاة التي تشع نوراً على النفس التواقة للفرح دائماً، دون الدخول في التفاصيل التي تسلب الفرح معناه وبهجته، وهالته التي تعطيه كل هذا البريق الذي نبحث عنه ونشتاق إليه دائماً·
 
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.