الافتتاحية
أحداث منحرفون وآخرون برسم الانحراف
زمان·· حين كانت الأدوات المتاحة أمام الصغار قليلة، ولم يكن التلفزيون أستاذهم والكمبيوتر مرشدهم، وكان لدى آبائهم الكثير من الوقت لرعايتهم وتربيتهم، بل وردعهم عند اللزوم· كانت جرائم أو"أخطار"الأحداث قليلة، وقد تنحصر في الشجار بين الإخوة، ومع أبناء الجيران، وحجر من هنا، و"بوكس" من هناك··والسلام!!
اليوم، الحال مختلف، وأمام الحدث وفي متناول يديه كل ما يتمنى وما لا يتوقع من أدوات النفع والأذى، وليس لدى والديه الوقت لرعايته وإرشاده، اللهم إلا إذا وجدا بعض الوقت لسؤاله من باب "رفع العتب": "كيف المدرسة؟ انتبه لدروسك يا ولدي···"، وهي علاقة أبوية لا تمارس لأكثر من بضع دقائق في اليوم أو الشهر·
فكيف ندهش من ظاهرة انحراف أحداث كثيرين، إذا ما كان الأهل غائبين؟ لقد أظهرت دراسة اجتماعية محلية أجريت سنة 2001، أن المتوسط الزمني لما يجري من أحاديث بين الأب وأبنائه يراوح بين 3 و5 دقائق يومياً، وإن كان حال الأبناء مع أمهاتهم أفضل ولكن ليس كثيراً·
وقد يقول قائل إن الحديث عن جرائم الأحداث هو أمر من قبيل المبالغة، لأن بلادنا تمثل واحة للأمان، وأن نسبة الجرائم في المجتمع تعتبر متدنية جداً· وهذا صحيح والحمد للّه، غير أن علينا أن نقارن الأوضاع اليوم بما كانت بالأمس، لنكتشف الفرق الكبير، فالمجتمع العربي والإسلامي عموماً، يقوم على ركيزة مهمة هي حلقة "الأسرة" ثم العائلة، فالعشيرة والقبيلة ثم الدولة، وقد عايشنا هذه الحقيقة مئات الأعوام، ورأينا كيف تلتقي هذه الحلقات لتشكل بنيان المجتمع·
ووجدنا أيضاً، بعد التغير المفاجيء في الظروف المعيشية والاقتصادية، أن آباء كثيرين انسحبوا من حياة الأسرة ورضوا لأنفسهم بدور الممول من بعيد، كما أن بين الأُمهات من أصبحت تكتفي من الأمومة بالإنجاب، وتوكل للخادمات بقية المهمات بدءاً من الغذاء والنظافة والترفيه عن الطفل، وحتى إيصاله إلى حافلة المدرسة· ومعلوم لدى الجميع مستوى الخلفيات الاجتماعية والثقافية التي تأتي منها أغلب خادمات المنازل، وهذا ليس ذنبهن بالطبع، لكنه خطأ من يتركون لهن فلذات أكبادهم· ومعلوم أيضاً مدى اتساع وتنوع الأدوات التعليمية المتاحة للناشئين، وكذلك مدى التنوع في الثقافات والطباع والأمزجة المتمازجة على أرض الإمارات، وفي بقية بلدان الخليج العربية· ولا يمكننا أن نطالب الحكومات والأجهزة المعنية أن تعمل وحدها لسلامة نشأة أبنائها، لأن أولئك الأبناء ببساطة، موجودون في بيوتنا ومسؤوليتهم الأولى تقع على عاتق المنزل والأهل·
وعلينا أن ندرك أن الحدث المنحرف هو حالة مرضية قابلة لأن تنقل العدوى إلى الأصحاء·
لقد كنا نسمع عن مشاجرات تجري طبيعياً بين أي حدثين وأصبحنا نرى مشاجرات بين عصابتين، وكانت العضلات والعصي هي سلاح الاشتباك، فإذا بالبعض يستخدم الخناجر والسيوف والقبضات الحديدية المدببة· وكان التلميذ الضعيف يتلصص على جاره النجيب ليغش عنه في الام