ضفاف
علي عبيد
في حب زايد
أنا أحب بابا زايد
هكذا تكلم الطفل ذو السنوات الثلاث والنصف وهو ينظر من خلال نافذة السيارة التي كانت تنعطف إلى اليمين متجهة إلى كاسر الأمواج، بعد أن أنهت رحلتها على شارع "كورنيش" أبوظبي، بينما كانت أضواء"قصر الإمارات" تضفي على المكان كله جمالاً وفخامة، مستمدين من روح القصور التاريخية القديمة، ممزوجة بالحداثة التي تفرضها البنايات الشاهقة والشوارع الحديثة والسيارات، التي يعج بها شارع "الكورنيش" في تلك الساعة من الليل·
نظر الأب من خلال المرآة التي أمامه إلى ابنه الصغير فإذا به يستدير مع انعطاف السيارة لتبقى عيناه معلقتين بتلك الصورة الكبيرة التي تستقبل القادمين من شارع الكورنيش المتجهين إلى كاسر الأمواج، صورة القائد الفذ الذي حفر اسمه في القلوب، وما زال حضوره طاغياً رغم غياب الجسد، يملأ نفوس الصغار والكبار فرحاً، رغم الفجيعة التي تركها الغياب والحزن الذي خلّفه الرحيل·
تأمل الأب ابنهملياً، بينما كانت السيارة تبتعد عن المكان تدريجياً والصورة تتوارى عن النظر، لكنها لا تغيب عن القلب، وثمة سؤال يلح عليه عن سر تعلق طفله الصغير بذلك القائد الكبير، الذي غيبه الموت قبل أن يتم ذلك الطفل الشهر السابع من عمره، وهو لم يزل بعد لا يعي من أمور الحياة شيئاً·
لو لم يكن واثقاً من براءة الأطفال وعفويتهم وانحصار اهتمامهم ببرامج الكرتون والألعاب، لاعتقد أن ابنه متأثر بالبرامج التي يبثها التلفزيون والتقارير التي تعرض في نشرات الأخبار كلما حلت ذكرى الرحيل· لكن عفوية الجملة التي نطق بها الابن الذي لم يكمل عامه الرابع بعد لم تترك لديه مجالاً للتفكير إلا في عمق العلاقة التي تربط أبناء هذه الأرض - من مختلف الأعمار - بذلك القائد الذي رحل قبل ثلاثة أعوام تاركاً في القلوب كل هذا الحب، الذي يعبر عنه طفل لم يره ولم يتح له عمره الصغير الاطلاع على الإنجازات الكبيرة التي حققها لوطنه وشعبه.
ثلاث سنوات علىالرحيل، فترة هي في حساب الزمن قصيرة، لكنها في حساب الفقد كبيرة· ثلاث سنوات هي بحساب الحضور الذي لم يغب عن الذاكرة والوجدان يبدو الحدث من خلالها كأنه حلم لا نريد تصديقه، لكنها بحساب الغياب الذي نؤمن بأنه قدر لا مفر من التسليم به مُوجِعة تترك في النفس غصة من الصعب أن تزول· كلمات هذا الطفل الصغير لم تترك للأب مجالاً للتفكير في الغياب لأنها جسدت الحضور بشكل طاغٍ لا يمكن تجاهله·
( أنا أحب بابا زايد )
كلمات صادرة من قلب طفل لا يعرف النفاق والتزلف وليَّ أعناق الحقائق· كلمات تعكس الصورة الجميلة التي رسمتها يد فنان بارع وقائد مخلص أحب وطنه وشعبه فمنحهما أقصى ما يمكن أن يمنحه قائد لشعبه، وبادله الشعب حباً بحب، فمنحه أقصى ما يمكن أن يمنحه شعب لقائده، منحه هذا الحب الذي يعبر عنه طفل صغير من نبت الوطن، تتشكل مداركه وهو يردد اسم "زايد" وتتفتح عيناه وهو يرى صورة "زايد". يتعلق قلبه بحب "زايد" ليثبت لنا أن هناك من القادة من لا يغيبون عن الذاكرة حتى لو غيبهم الموت لأنهم خالدون في القلوب·
( أنا أحب بابا زايد )
كلمات جددت في نفس الأب الشعور بالفقد الذي مرت عليه ثلاث سنوات ثقيلة، لم يخفف من وطأتها سوى هذه الكلمات الصادقة الصادرة من قلب طفل صغير لم ير "زايد" لكنه يشاهده في كل إنجاز تحقق في الماضي ويتحقق اليوم على أرض الوطن، يشاهده