هناك ظاهرة عالمية تجتاح مدارس العالم، تسمى ( عنف المدارس ) وهي في اليابان، كما في الولايات المتحدة، وبريطانيا، ومصر، والإمارات، وغيرها من دول العالم، عنف يعبر عنه الطلاب، وأحياناً الطالبات، باستخدام الأسلحة، كالسكاكين وغيرها، وقد يصل الأمر إلى جرائم قتل جماعية يرتكبها مراهقون صغار ضد زملائهم ومعلميهم، كما تابعنا أخبار تلك الجرائم المروعة في بعض مدارس الولايات المتحدة·
ما الذي أفرز هذه الظاهرة؟ وما علاقتنا في الإمارات بها؟، وكيف عالجتها بعض الدول المعروفة بأنظمة التعليم المتطورة، مثل سنغافورة؟ هذه وغيرها أسئلة تراود أذهان علماء التربية والسلوكيات، كما تؤرق المعلمين وأولياء الأمور ومسؤولي التعليم، فالظاهرة خطيرة، وتتعارض مع أهداف المدرسة باعتبارها إحدى مؤسسات التربية في المجتمع، وضبط السلوك وتوجيهه إيجابياً بما يخدم أهداف المجتمع والفرد معاً·
لماذا تحولت المدرسة إلى ساحة معارك؟ لماذا يتصارع الطلاب بهذا القدر من العنف غير المبرر؟
طرحت السؤال على نفسي منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أقف في فناء المدرسة الثانوية التي كنت أدرس فيها··· لحظتها كانت طالبتان من المدرسة متشابكتين في صراع عنيف، وصل إلى حد تمزيق الثياب، وإسالة الدماء وسط رعب بقية الطالبات، ومشاركة آخريات لعبن دور المشجع لكل طرف من أطراف التشابك·· كانت المعلمات يحاولن فك الاشتباك بما أوتين من قوة، لكن العنف كان أشد وأقوى من المتوقع!!
اليوم اسمع عن سلاح أبيض يبتاعه المراهقون ببساطة، وأسمع عن عصابات داخل المدارس، وأسمع عن جرائم حقيقية، بعضها يتسرب إلى الأهل والإعلام، والكثير منها يبقى داخل أسوار المدارس، وفيما بين الطلاب أنفسهم·· هذه حقائق لا يجب أن نمعن في نفيها أو التهرب من الاعتراف بها لأي سبب، ذلك أن الاختباء وراء الاصبع لا يخفي شيئاً أبداً حتى وإن ضحكنا على أنفسنا·· إن نسبة عالية من طلابنا الصغار يدخنون، يشاهدون أفلام العنف الشديدة الخطورة والتأثير، يعانون أوضاعاً أُسرية معقدة في ظل مجتمع حراكه الاجتماعي والتنموي عالي الوتيرة، إضافة إلى ما يوفره الرفاه المادي للأسر من إمكانيات مادية تتيح لهم الحصول على أجهزة وأدوات ووسائل تؤجج حالة السلوك المبالغ في ردات فعله·· كالسيارات والدراجات والألعاب الإلكترونية المشجعة على العنف، وإمكانية الهروب من المدرسة، والخروج غير المقنن من المنزل وفي أوقات حساسة كساعات الليل المتأخرة مثلاً·· وغيرها·
هذا وغيره متوافر للمراهقين في مجتمع الإمارات في ظل انعدام آليات الرقابة الأُسرية في الكثير من الأسر، وفي ظل فشل المدرسة في القيام بدورها التربوي والمؤثر في ضبط السلوك وتوجيهه، نظراً لانعدام القدوة واهتزاز صورة المعلم في أذهان الطلاب لأسباب مختلفة، ناهيك عن ضغوطات مرحلة المراهقة نفسها على هؤلاء الصغار، وما تسببه لهم من شعور مبالغ بالإحباط والحساسية، والتوتر والاستفزاز الدائم وردات الفعل العالية، دون أن يجدوا من يستوعب كل هذه المتغيرات التي تلعب بهم ذات اليمين وذات اليسار· فالكل منشغل والكل متخلٍ عن دوره ومسؤوليته·· وهنا، فإن التعبير عن الغضب ورفض الواقع وإشعار المحيط