ضفاف
بقلم : علي عبيد
 
عام الهوية الوطنية

- هل أنت إماراتي؟
 فاجأني سؤال الشقيق العربي الذي كان يحضر أحد المنتديات التي تقيمها إحدى منظمات الأمم المتحدة في الإمارات، حتى كِدت أهرع إلى أقرب مرآة كي أتأكد من ملامحي·
"بالتأكيد"... أجبته محاولاً إخفاء دهشتي من السؤال، ليواصل حديثه:
- أرجو أن تعذرني، فأنت أول إماراتي أقابله منذ أن وطأت قدماي أرض بلدكم قبل ثلاثة أيام، إذا استثنينا ضابط الجوازات الذي ختم لي جواز سفري في المطار. فقد أقلني من المطار إلى الفندق سائق أجنبي· واستقبلني على باب الفندق عامل أجنبي، وأنهى لي إجراءات تسجيلي موظف أجنبي· وما زلت أبحث عن وجه مواطن إماراتي أتحدث معه، حتى وضعك الله في طريقي، كي لا أغادر هذا البلد الطيب دون أن أجد من يحل لي اللغز الذي يحيرني منذ لحظة وصولي". 
قلت لمحدثي، محاولاً، تقديم تبرير لم أكن أنا نفسي مقتنعاً به:
( ليست الصورة بهذه القتامة يا صديقي، فربما كان السبب أنكتقيم في منطقة حرة بعيدة نسبياً، عن مركز المدينة، وتحضر منتدى تقيمه منظمة دولية دعت إليه مشاركين من بلدان مختلفة، إضافة إلى أننا بلد اقتصادي مفتوح، يُعتبَر ملتقى لجنسيات مختلفة تجد فيه بيئة مناسبة للعمل والاستثمار). 
لم يعلق محدثي على كلامي، وانتقل إلى موضوع آخر دون أن أستشف مدى اقتناعه بما قلت، فآثرت عدم سؤاله، متوقعاً أن يكون هو الآخر قد آثر عدم إحراجي· لكن صدى كلماته ظل يتردد في رأسي راسماً علامة استفهام تكبر يوماً بعد يوم، عن هويتنا الوطنية التي تتعرض للتآكل بفعل الرياح التي تهب عليها من كل ناحية، وعوامل التعرية التي تعمل فيها من كل صوب، حتى جاءت كلمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في العيد الوطني السادس والثلاثين، لتضع النقاط على الحروف، وتوجه باعتماد العام الاتحادي الجديد عاماً للهوية الوطنية لتعزيز عناصرها وتعميق مكوناتها وتكريس ممارساتها وتحديد مهدداتها· فمن لا هوية له لا وجود له في الحاضر، ولا مكان له في المستقبل كما قال سموه، مؤكداً أننا نتطلع إلى مشروع حضاري شامل يستوعب الحديث دون إخلال بالأصيل بما يحفظ للوطن وجوده وللمواطن هويته وللمجتمع تماسكه، فلا تساهل ولا تهاون مع كل ما يهدد قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا الوطنية التي هي قلب الهوية الوطنية ودرعها، وروح الأمة وعنصر أصالتها، ووعاء فكرها وتراثها· ومن هنا كان علينا أن نواجه آثار العولمة السلبية وخلل التركيبة السكانية، فإن أي مساس بالهوية هو مساس بالوطن وانتهاك لحرماته·
هكذا حسم صاحب السمو رئيس الدولة المسألة، وقدم الإجابة الشافية للشقيق العربي الذي غادر حاملاً معه علامة تعجب كبرى ودهشة لهما ما يبررهما· وإذا كان الانشغال بمرحلة التأسيس والبناء قد جاء على حساب الهوية الوطنية التي كادت تُطمَس أو طُمِست بالفعل، فإن الوقت لم يفت تماماً لتدارك الأمر، بخاصة عندما يأتي التوجيه من القيادة العليا ممثلة في رئيس الدولة ونائبه، اللذين يؤكدان في كل مناسبة ومحفل، على ضرورة المحافظة على الهوية، الوطنية وتعزيزها· وهو ما أكدته أيضاً، استراتيجية الحكومة الاتحادية واستراتيجيات الحكومات المحلية، التي جاءت متناغمة مع الاستراتيجية العامة للدولة· وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين يأتي الخلل إذن؟
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد