هكذا يروننا ··· فكيف نرانا؟
لماذا تعثرت ولا تزال تتعثر الكثير من المشروعات التكاملية، ولا نقول الاندماجية، في الوطن العربي؟ كيف أصبحت أوروبا دولة شبه واحدة في كل شيء، وهي التي كانت بالأمس القريب، دولاً متناحرة حتى الموت، وكان العرب بالعكس فأصبحوا بالعكس أيضاً؟! الأرجح أن السبب لا يكمن في الطين الذي عُجن منه العرب، فكلنا بشر ومن آدم وحواء "وأولاد تسعة"، كما يقال، سواء، كنا عرباً، أم أميركيين أم أوربيين أم هنوداً وسريلانكيين·
والأرجح والله أعلم، أن المشكلة تكمن في الخطاب الذي تناول في السابق، موضوع التكامل العربي· فقد قام على شعارات أننا نجتمع في الدين واللغة والجغرافيا والعادات والتقاليد، وغير ذلك من العناصر الجملية بالفعل·· لكن لم يحدث أن وضِعت أسس موضوعية وعملية لتنفيذ هذه الشعارات بالتوافق مع شعار غير عاطفي، وهو المصلحة الشخصية أيضاً·
فعندما توجد سوق عربية مشتركة، مثلاً، سوف تستفيد منها الدول ورجال الأعمال، من تجار وصناعيين ومزارعين، ويستفيد المستهلك الفرد، الذي سيجد أمامه تنوعاً في السلع، وتنافساً في الجودة والتكلفة·
والمصيبة الكبرى أن الذين لا يريدون للعرب أن يكونوا فريقاً واحداً، ويساعدهم البعض في ذلك من الداخل، هم الذين يعتبروننا فريقاً واحداً·· فنحن في أنظارهم عرب موحدون، ومتحدون في الإرهاب والتطرف والتخلف، وعدم القدرة أو الرغبة في الالتحاق بركب الانفتاح والتحضر··· والعولمة··
****
عندما فاز المنتخب العراقي بكأس آسيا لكرة القدم، كانت وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن المنتخب بصفته عراقياً، وليس مندوباً عن فئة أو حزب أو طائفة في العراق· وربما يكون هذا الفوز الجميل رشّة عطر تجعل بعض الغائبين عن الوعي في العراق يفيقون من غفلتهم، ويكتشفون مجدداً أنهم عراقيون، وأن هناك عراقاً يجب أن يُستعاد من التغييب وأعمال التقتيل والتدمير· وكم كان مؤلماً أن يُعلن حظر التجوال في عدد من مناطق العراق بسبب فوز المنتخب بالكأس، خشية أن يبْلُغ الحماس بالبعض مداه، فيفتكون بعضهم بالبعض الآخر·
وكم كان مؤلماً أيضاً، أن تنشر الصحف البريطانية صور المواطنين العراقيين الموجودين في لندن وهم يحتفلون عن بُعد، بالفوز، وتحت صورهم تعليق يقول : (( لندن المكان الوحيد الذي يمكن للعراقيين الاحتفال فيه بأمان !)) وكان مؤلماً أيضاً أن يعلق مذيع (البي.بي.سي) قائلاً : "هنا لا يسمح لهم بالطبع، أن يطلقوا النار في الهواء"!!·
كم كان جميلاً تعليق المذيع في أحد تلفزيونات الإمارات وهو يصف المباراة حين قال: "اليوم لا أحد يخسر··اليوم نحن كلنا فائزون مهما كانت النتيجة·· فالمتنافسون في جانبي الملعب هم أبناؤنا وأخوتنا، والجمهور في المدرجات هم نحن!!"
وقد صدق، ولكن··
أين السوق العربية المشتركة؟