أمـــة "اقرأ"


يفاخر المسلمون بأنهم الأمة الوحيدة، التي كانت أول كلمة في كتابها السماوي الكريم هي "اقرأ"، وأنهم كانوا ينبوع العلم والمعرفة، بينما كان غيرهم في أرجاء العالم، غارقين في ظلمات الجهل· إلا أن هذا الحال تبدَّل للأسف، في فترات لاحقة، ولا يزال مستمراً في عصر النهضة العالمية الراهنة· ويكفي أن نقارن أنفسنا باليابان، التي كانت تُرسل مطلع القرن الماضي، وفوداً إلى إحدى الدول العربية لتعلُّم فنون صناعة القطن، وأين نحن اليوم من تلك الدولة الآسيوية، التي اختفت الأمية فيها تماماً منذ القرن التاسع عشر، وتطبع مطابعها 35 ألف عنوان جديد سنوياً في مختلف أنواع الكتب والموضوعات، بينما لا يطبع في العالمين العربي والإسلامي سوى 29 عنواناً لكل مليون فرد، وبمعدل ألف نسخة للعنوان الواحد، وثلاثة آلاف للكتب الرائجة، وخمسة آلاف للعناوين الصارخة في جاذبيتها، ولا تباع كلها كذلك، علماً أن عدد المسلمين يتجاوز المليار نسمة! ويصدر في أوروبا كتاب لكل 15 ألف شخص ويطبع منه في المعدل 100 ألف نسخة، في الوقت الذي تؤكد إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (اليونسكو)، أن ما يُستهلك من ورق الكتب في العالم العربي مجتمعاً، يقل عما تستهلكه إحدى دور النشر الفرنسية البارزة· وتشير (اليونسكو) إلى أن العرب الذين يشكلون 5% من سكان العالم يطبعون 1% مما يصدر في جميع الدول بما فيها الدول المتخلفة والموغلة في الفقر والأمية· وتوضح اليونسكو أن ثلث الذكور ونصف النساء من أمة "اقرأ" لا يقرأون بتاتاً!
لا نريد أن نطيل في الحديث عن هذا الموضوع الحيوي والمكرور، لكن ما هي مناسبة العودة إليه؟ 
إنها المبادرة المباركة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي >رعاه الله
وبديهي أن لا نتوقع أن يتبدل حال العرب بين عشية وضحاها، بفضل هذه المبادرة، لكنها فرصة ثمينة على المثقفين والباحثين العرب في جميع المجالات، أن يتشبثوا بها ويستثمروها من أجل الارتقاء بحياة الإنسان العربي، وإرساء أسس راسخة لنهضة معرفية عربية تضيّق قدر الإمكان، الفجوة الهائلة التي تفصلنا عن العالم المتقدم، في الميادين العلمية والبحثية والاقتصادية والثقافية عامة· فالمؤلفون والباحثون العرب لا يجدون إلا نادراً من يلتفت إليهم ويأخذ بأيديهم، ويبحث أغلبهم عن منافذ خارجية، أو يكتفون بإيداع أبحاثهم في الأدراج، إذا توفرت لهم الفرصة أساساً للقيام بأبحاث، فلا نرى غالباً، في رفوف المكتبات ودور النشر سوى كتب الأدب، والشعوذة، والمطبوعات ذات النزعات المذهبية التي يفرِّق معظمها ولا يجمع، وينشر أفكاراً نحن في غنى عنها.
ومن شأن هذه المبادرة أن تدعم خطط التنمية الحقيقية في الوطن العربي وجهود تطوير الاقتصاد والمرافق الصناعية، ومكافحة التخلف، والبطالة المستفحلة في البلدان العربية، المطالبة بتوفير 80 مليون فرصة عمل للشباب خلال العقدين المقبلين .
لقد درسنا في كتب التاريخ كيف كان حال العرب، عندما احتل هولاكو بغداد وألقى بكتبها في نهر دجلة، فصارت مياهه سوداء، لكثرة ما أُريق فيها من حبر الكتب· أما اليوم، فإن الدراسات الميدانية تؤكد أن معدل ما يقرأه المواطن العربي من الكتب لا يتجاوز 6 دقائق سنوياً، ويهدر 525594 دقيقة في النوم والأكل والعمل ومشاهدة التلفزيون، والقيل والقال .
فهل يكون الباحثون المثقفون العرب على قدر المسؤولية، ويتجاوبوا مع مبادرة هذا القائد العربي الهمام ؟
نتمنى ذلك !
 
 
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد