افتتاحية العدد ‏

معارك حقيقية...على الطريق‎


‎‎ ‎وكأن البعض لا يسمع ولا يرد ولا يفكر، ولا يدخل في روعه أن ما أصيب غيره لن يصيبه هو، وكأن‏ الأخطار مخصصة للآخرين، وكأنه معصوم منها.‏‎ ‎إنه يرى بعينيه ما يحدث للمرء بين غمضة عين والتفاتتها، فنجده ((يتعاطف))مع من نزلت بهم النوائب‏ نتيجة تهورهم أو تهور غيرهم، وقد يتأثر للحظات أو لا يتأثر، ثم ينطلق مكرراً من السلوك ما شاهده ‏بصره، ولم تشاهده بصيرته.‏‎ ‎هذا حال حوادث الطرق، التي نراها كل يوم على طرق الدولة، والتي يحدث مثلها بالطبع في جميع ‏دول العالم.‏‎ ‎لنتصفح أي جريدة أو نسمع أي مذياع، ولنطالع أي وسيلة إعلامية مرئية، وسوف نجد من يتحدثون عن‏ أسباب الحوادث المرورية، الدامية منها والبسيطة، وهي أسباب محورها الأساسي التهور والسرعة، وسوء السلوك الفردي، وعدم الالتزام بقواعد المرور والتجاوز الخطر، والحيوانات السائبة وعدم كفاءة ‏المركبة والتوتر النفسي الناجم عن الازدحام.
‏‎
‎إن الطرق الخارجية في الدولة مسرح يقدم عروضاً يومية في إثبات صحة هذه العناصر، ونرى إما ‏بصورة مباشرة أو من خلال الصور، نتائجها المؤسفة التي يذهب ضحيتها المتهورون والأبرياء أيضاً، ‏فيفقد هذا حياته، ويصاب ذاك بجروح ربما يندمل بعضها أو يلازم صاحبها طوال حياته، وقد يصاب ‏بكسور وحالات شلل تفقده كتلة من اللحم والمشاعر المحطمة.. ولا تخلو الطرق الداخلية أيضاً من الحوادث الدامية، والعجيب أنه لا يخفف من هذه الحوادث حقيقة أن الدولة تتمتع بشبكات طرق وفق آخر المواصفات العالمية، وإن كانت أكتاف بعض الشوارع الخارجية تشكل خطراً في مناطق قليلة من ‏ الدولة، كما يقول المتخصصون إلا أن الحقيقة الإجمالية هي أن شوارعنا توفر كافة عناصر الأمن ‏
والسلامة للسائقين والمشاة.. هذا إذا كانوا ينشدون حقاً الأمن والسلامة.‏‎

‎وقد أدى غياب الالتزام بالقواعد المرورية الصحيحة إلى ثمرة مُرة للأسف، وهي أن تصبح بلادنا، ‏ ومعها عدد من دول الجوار العربية، بين الدول التي تتصدر على المستوى العالي في عدد ونتائج الحوادث المرورية، إذا ما قورنت بعدد سكانها.‏‎ ‎وكان الحادثان المؤسفان اللذان شهدتهما دبي ورأس الخيمة خلال أسبوع واحد من شهر ديسمبر، شاهدين على كارثتين بكل المقاييس الإنسانية، حيث حصدا وحدهما .. روحاً بريئة، وتسببا في إلحاق جروح وكسور وإعاقات متفاوتة بثلاثة وستين آخرين، وكان عدد من الضحايا أفراداً من أسرة واحدة، ‏ فرغوا للتو من الاحتفال بزفاف شقيقتهم.‏‎ ‎ويأتي ذلك مع التحذيرات المستمرة من جانب الأجهزة الأمنية المختصة، وحملات التوعية، والإرشادات‏ التي توصل إلى الجميع بكافة الوسائل، وتوفير شبكات المواصلات بأفضل المعايير. وقد استدعى ‏ الأمر أن تدخل المسؤولون من أرفع المستويات في الدولة من أجل زيادة الالتزام بقواعد السلامة، وحقن الدماء التي تسيل على الطرق، ومن بين تلك التدخلات، الأوامر التي أصدرها صاحب السمو ‏الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بضرورة التشدد في الإجراءات المرورية وحماية المخالفين والمتسببين في الحوادث، وإحراجهم من خلال نشر صور ‏ أفعالهم الخطرة، والمشينة بحق المجتمع.

وقد أعطت هذه الأوامر ثماراً طيبة ومشجعة، غير أن الذين ‏يصرون على اقفال بصائرهم مازالوا يشكلون خطراً داهماً في أي لحظة.‏‎ ‎والمضحك المؤسف في هذه الحوادث وما تؤدي إليه، هو حال السائقين الذين تصطف مركباتهم في ‏طوابير طويلة قد تمتد عدة كيلو مترات بسبب وقوع حادث في الطريق، ونرى كلاً منهم يكاد يتميز من‏ الغيظ، وهو يسب ويلعن الآخرين الذين أمامه من السائقين الفضوليين الذين يبطئون مركباتهم للتفرج ‏على الحادث، ويعيقون وصول سيارات الشرطة والإسعاف، ويتسببون في تأخره هو وغيره عن الوصول إلى مصالحهم..وعندما يصل هو بنفسه بسيارته إلى مشهد الحادث، نجده يبطئ بأقصى قدر ‏ممكن ويتفرج على مهل ويلعن السائقين الذين خلفه لأنهم يحثونه بأبواق مركباتهم على الإسراع في مغادرة مسرح الحادث ويريدون أن يفوتوا عليه فرصة المشاهدة!‏‎ ‎وكل عام والجميع بخير.. والمرور أيضاً‎. ‎‎ ‎

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد