ضفاف
علي عبيد
بين الواقع والافتراض
"مشاهدينا الأعزاء"
أسعد الله مساءكم بكل خير،،،
أحييكم ويسرني أن أستعرض معكم برامجنا لهذا اليوم······ الموافق···/····/ 19 م.


بعد هذا العرض مباشرة، أي في حوالي الساعة الرابعة وعشرين دقيقة يلتقي أطفالنا الأعزاء مع فقرتهم اليومية "الرسوم المتحركة"، يليها نشيد للأطفال· في الرابعة وخمسين دقيقة، نقدم برنامجاً ثقافياً من سلسلة "أعماق البحار".
عند منتصف الليل نوافيكم بموجز لأهم الأنباء، ثم يعلن السلام الوطني ختام إرسالنا لهذا اليوم.
مقطع من مشهد افتراضي لمحطة تلفزيونية محلية تبث برامجها في أواخر السبعينات من القرن الماضي· هذا المشهد لم يعد له وجود في عصرنا هذا، إذ لم تعد هناك محطة تلفزيونية تبث ثماني ساعات فقط في اليوم، ولم تعد هناك فقرة أطفال لا يتعدى زمنها نصف الساعة، ولم يعد هناك أطفال يمكن أن يقنعوا بخمس وعشرين دقيقة من أفلام الرسوم المتحركة يليها نشيد لا تتجاوز مدته خمس دقائق· فما الذي حدث بعد كل هذه السنوات التي مرت سريعاً، وكيف أصبح الوضع اليوم، وكيف تلوح لنا صورة المستقبل؟
إن نظرة واحدة على ما يزخر به الفضاء من محطات تلفزيونية متخصصة في البث للأطفال ربما تصيبنا بالإغماء - وليس مجرد الدهشة - من هذا الكم الهائل من القنوات التلفزيونية التي تبث على مدار الساعة برامج ومسلسلات وأفلام كرتون موجهة للأطفال بكل اللغات ومختلف الأشكال، حاملة إلى أطفالنا داخل بيوتهم ثقافات عديدة لا تتفق مع ثقافتنا العربية، ومعتقدات لا تتفق مع معتقدات جميع الأديان السماوية، وأنماط سلوك لا تتفق مع أبسط قواعد القيم والأخلاق، وطرق تفكير تنأى بأطفالنا عن محيط أسرهم ومجتمعاتهم وأمتهم.
في ظل هذا التكاثر العشوائي للمحطات التلفزيونية والفضائية والقنوات الرقمية المتخصصة تثور تساؤلات ومخاوف حول التأثير الفعلي للتلفزيون على صحة الطفل الجسدية والنفسية، وعلى نموه وتطوره· وقد أكدت دراسة أكاديمية أجرتها "الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال" أن الطفل يقضي سنويا 900 ساعة في المدرسة وحوالي 1023ساعة أمام التلفزيون، مما يعني أن معظم الأطفال يقضون وقتاً أطول أمام التلفزيون يزيد عما يقضونه في فصولهم الدراسية· كما تقول دراسة أخرى إن ذروة المشاهدة في الفترة المسائية تعرض خلالها مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة، وهذا يعني أن الطفل عندما يبلغ عمره 11 عاما يكون قد شاهد نحو 20 ألف مشهد قتل أو موت وأكثر من 80 ألف مشهد اعتداء· وتفيد دراسات علمية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" عن معدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفزيون أن الطفل وقبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره يقضي أمام شاشة التلفزيون22 ألف ساعة مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها، مشيرة إلى أنه مع بدء القرن الحادي والعشرين زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفزيون من ثلاث ساعات و20 دقيقة يومياً إلى خمس ساعات و50 دقيقة نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية.
ألا يصلح هذا كله أن يكون أجراساً تُقرع لنا كي نولي أبناءنا المزيد من الاهتمام وأن لا نعتبر التلفزيون وسيلة للتخلص من إزعاجهم؟
إنه سؤال واقعي هذه المرة وليس افتراضياً، في زمن تلفزيون الواقع الذي لم يعد يفرق بين الحقيقة والخيال والممكن والمحال.
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد